صمدت مدينة آسفي لأزيد من خمسين يوما في مواجهتها لوباء كورونا، قبل أن تهزمها أول حالة لسيدة كانت في رحلة علاج إلى مدينة مراكش، ثم توالى تسجيل ارتفاع حالات الإصابة إلى أن أفاض معمل لتصبير السمك كأس المدينة بتسجيل المئات من الإصابات، فكشف الأمر عن حقائق وعورات وأولها عورات مسؤولين ومنتخبين عرت عليها حصيلتهم، قبل أن يعري عليها فيروس كورونا.
ظل أبناء آسفي يفتخرون بصفر حالة، ووجود المدينة في منأى آمن للوباء اللعين، بل إنهم تجندوا لمحاصرة المتسللين إلى المدينة من المناطق الموبوءة والتبليغ عنهم، وشكلوا قوة يقظة موازية للجنة اليقظة التي ترأسها السلطات المحلية، وظلت ساكنة حاضرة المحيط مقيدة بالإجراءات الإحترازية خوفا من العدوى، قبل أن تتسلل إليها أولى الحالات من مدينة مراكش عبر سيدة رافقت حماتها للعلاج هناك، ثم توالى تسجيل ضئيل من الإصابات، لكن الأمر تعدى التوقعات، وارتفع العدد بالمئات، حتى بات الواقع يشكل خطرا على ساكنة المدينة بسبب تفشي الوباء.
كورونا تكشف عورة الوضع الصحي بآسفي
يوم 22 أبريل سيستقبل الرأي العام خبر تسجيل أول حالة بالمدينة، وهو الخبر الذي هز طموح الذين كانوا يفتخرون بالرقم صفر، إذ لم يستسيغوا أن تخترقهم كورونا عبر بوابة مراكش، بل أن أحدهم كتب “لا للهلع الحالة تحسب على مراكش وليس آسفي”، وهنا طفت على سطح التحليل أسباب وصول الوباء إلى آسفي، والتي ليست سوى رحلة للعلاج من مرض السرطان لمريضة رافقتها زوجة ابنها، هذه الأخيرة هي التي كشفت التحليلات المخبرية إصابتها.
هذه الحالة الوحيدة دفعت بالرأي العام لطرح عدة تساؤلات أولها هل مدينة بحجم آسفي لا تتوفر على مستشفى متعدد التخصصات؟ ولتنطلق بعدها سلسلة العديد من التساؤلات، وكلها تصب في اتجاه فشل المسؤولين والمنتخبين في تأهيل المنظومة الصحية التي تحمي المواطنين من عناء التنقل إلى مدن أخرى للاستشفاء، إذ تساءلت الساكنة عن دور البرلمانيين في الدفاع عن المدينة وعن حقها في مستشفى متكامل يتلاءم مع مدينة تعد من كبريات المدن المغربية، لكن واقعها الصحي يبرزها كواحدة من المدن الصغيرة المهمشة.
حالة وحيدة تخلق الفوضى
ما إن تم الإعلان عن أول حالة إصابة بآسفي، حتى اندلعت فوضى عارمة بمواقع التواصل الإجتماعي وصلت شرارتها إلى بيوت عدد من الضحايا، ومن بينهم رجل أمن استقدم ابنته من مدينة مراكش، وفي هذا الصدد كتب مراسل يومية الصباح محمد العوال أن ” النيابة العامة بآسفي مُطالبة بفتح تحقيق قضائي حول تسريب البطاقة الوطنية للسيدة المصابة، وتسجيل صوتي يتحدث عن هويتها وهوية زوجها ونشر صورة شرطي على اعتبارأن ابنته مصابة... .
رجاء كفوا عن العبث.”، وكان الإعلان عن هذه الحالة بمثابة نيران اندلعت عشوائيا، وأتى لهيبها على الأخضر واليابس، لأن انتشارها مس الحياة الخاصة لمواطنين وجدوا أنفسهم في فوهة تشهير مجاني، خصوصا رجل الأمن السالف الذكر الذي نال النصيب الأوفر من حملة التشهير.
الحالة الوحيدة رافقتها زوبعة في فنجان القطاع الصحي بالمدينة، عندما تسرب تسجيل صوتي للسيدة المصابة تفيد فيه بأنها غير مصابة بداء كورونا، وتطالب بإجراء تحليل ثان، مع التشديد على أنها تعيش وضعية سيئة بمستشفى محمد الخامس من خلال عدم الاهتمام بها كنزيلة بهذه المنشأة الصحية، مما دفع بإدارة المستشفى إلى نفي ما جاء على لسان المريضة، بل أنها أقدمت على سحب هاتفها المحمول.
من صفر حالة إلى بؤرة مهنية بمئات الإصابات
بعدما صمدت طويلا ضد فيروس كورونا، سقطت آسفي في الأخير سقطة مدوية، بعد تسجيل ارتفاع مهول في عدد الإصابات، حيث تفشى الفيروس بشكل مهول وخصوصا بمعمل لتصبير السمك، إذ بلغت حصيلة المصابين بفيروس كورونا المسجلة اليوم السبت، في وحدة لتعليب السمك في آسفي 449 حالة في المعمل من أصل 522 شخصا مشتبه فيه أجري له اختبارات الكشف عن الفيروس، في انتظار نتائج باقي التحليلات المخبرية. البؤرة المهنية حملت إقليم آسفي من المناطق الآمنة إلى المناطق الموبوءة، وهو ما أربك السلطات الأمنية والصحية، وخلق توثرا لدى المسؤولين والمواطنين على حد سواء.