رغم دخوله مرحلة التقاضي، فإن أول ملف يتوجب على السيد يونس التازي، الوالي الجديد لجهة طنجة-تطوان-الحسيمة الانكباب عليه وحلحلته هو الملف المتعلق بأزمة حي بن كيران (حومة الشوك) بطنجة. المجلس الجماعي لا يعول عليه في هذا الباب، فالجماعة ليس لها ما تقدمه للساكنة من حلول، بل ويمكن اعتبارها طرفا ساهم في خلق هذا المشكل، وتعقيده. وهنا لا أعني بالجماعة التقني الإداري، وإنما السياسي المنتخب والذي ظل ينظر لساكنة حي بنكيران ككتلة مصوتة، وليس كساكنة مجتمعية لها الحق في العيش في بيئة سليمة ونظيفة، ولها متطلبات وحقوق… لطالما ظلت ساكنة حي بنكيران، وفق التسمية الإدارية، أو حومة الشوك بالتسمية الشعبية، تعاني من التهميش والإقصاء، شأنها شأن معظم مناطق مقاطعة مغوغة، ولم يصلها من مشاريع البنيات التحتية التي استفادت منها مدينة طنجة، منذ اعطاء الانطلاقة لأول برنامج استعجالي للتنمية الحضرية لسنة 2005، سوى الفتات، وفقط في الأعوام الأخيرة.
في الواقع، هي أزمة متعددة الأطراف، أطرافها الرئيسية ثلاثة، وهم: الشر كة مالكة للوعاء العقاري، الذي يمتد على مساحة 14 هكتار، لا يشكل الحي موضوع الخلاف سوى جزء من مساحته، والساكنة التي شيدت مساكنها فوقها، إذ حاليا تم استدعاء 65 شخص إلى المحكمة بدعوى استعجالية، موضوعها افراغ الساكنة بدعوى “الاحتلال الغير المشروع”، وهذا الرقم يتوقع أن يرتفع مستقبلا مادام الحي يأوي مايزيد عن 800 أسرة، جميعها مهددة أن تتوسع الدعوى لتشملهم، ثم أخيرا السلطات العمومية، التي آثرت لحدود الساعة اتخاذ موقف الحياد السلبي؛ وهي أيضاً أزمة متعددة الأبعاد: حقوقي، اجتماعي، عقاري، أمني، سياسي، إداري، إلخ.
ضمن هذا السياق أسئلة كثيرة تتناسل: أين كان الملاك الأصليون كل هذه السنوات حينما كانت الساكنة تشيد منازلها، والحي يتمدد ويتوسع؟ وهل وفعلا اشترت الساكنة البقع الأرضية؟ لكن ممن؟ أم قام البعض منهم بوضع اليد عليها؟ من قام ببيع تلك الأراضي بعد أن أخضعها للتجزئة العشوائية؟ وبأية طريقة؟ ومن هم المتواطؤون في العملية؟ ألا يتحمل من كان يشغل رئاسة مجلس مقاطعة مغوغة خلال تلك الفترة جزءًا من المسؤولية؟ وماذا عن الصمت المتواطؤ للسلطات المحلية؟ لماذا غضت بصرها عن البناء العشوائي بالمنطقة؟ لماذا سمحت بتوسع الحي دون تخطيط أو توجيه عمراني من لدن الجماعة؟ كيف منحت الجماعة رخص البناء للبعض وهي تعلم أن المنطقة يمنع فيها البناء، لأنها منطقة خضراء؟ أو هكذا كان مقررا لها أن تكون؟ ثم من هي الجهة من داخل الإدارة التي مدت يد العون للشركة ومكنتها من الحصول على المعطيات الإدارية المتعلقة بساكنة الحي؟ تلك بعض من الأسئلة التي يتوجب الإجابة عنها، والتي تعد مدخلا رئيسيا لفهم أصل المشكلة.
الخلاصة، هي أن أزمة “حومة الشوك” تعكس الفساد الذي ينخر جسد القطاع العقاري، وخاصة في شقه المتعلق بالسكن العشوائي.
الوالي الجديد لا يملك العصا السحرية، لكنه يبقى الشخص المؤهل لإيجاد حل متوازن يضمن عدم ضياع حقوق جميع الأطراف، وصون خاصة حقوق الحلقة الأضعف في هذا النزاع، ألا وهي ساكنة حي بنكيران، الحي الذي استحق فعلا تسميته الشعبية ب “حومة الشوك”.
الملف شائك، و لايزال في مرحلة الابتدائية للتقاضي. بيد أن حل هذا النزاع لا يمكن أن يكون قضائيا، لأن افراغ الساكنة من بيوتهم يخضع لاعتبارات انسانية واجتماعية، وستعترضه صعوبات أمنية؛ الحل لا يمكن أن يكون سوى حلا تفاوضيا، يأخذ بعين الاعتبار أبعاده السياسية وانعكاساته الأمنية والاجتماعية، حلا يلعب فيه سيادة الوالي دورا محوريا وموجها، وأول قرار ينبغي اتخاذه في هذا الباب، هو فتح باب الحوار مع طرفي النزاع، مع منح ضمانات قوية لملاك العقار. الملف عبارة عن قنبلة موقوتة، في حالة انفجارها شظاياها ستصيب الجميع، ويبقى الحوار هو السبيل الوحيد لنزع فتيلها.