بقلم : الدكتور عيدودي عبدالبني
(سبحان الله يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي .. سبحان الله اسرائيل تعترف و توحد العرب .. و الحزائر تمزق و تشتت وتفرق العرب .. صدق من قال من مأمنه يؤتى الحدر .. و رحم الله الحسن الثاني حيث قال .. حتى يعلم الناس مع من حشرنا بالجوار )
شكل اعتراف اسرائيل بالوحدة الترابية المغربية منعطف جديد في الصراع العربي الاسرائيلي .. بل يمكن اعتبار هذا الاعتراف خطوة من الخطوات الكبرى في التأسيس لمسار السلام بين اسرائيل و الوطن العربي.. بل هو اقتناع تام وراسخ لدى دولة اسرائيل بأن الحرب لن تحقق لها شيء مع العرب ، و أن تواجدها في محيط عربي كبير لا يسمح لها بالمزيد من المعارك .. بالتالي يعد هذا الاعتراف من دولة اسرائيل بمغربية الصحراء أول قرار سلام فعلي وحقيقي ينم عن رغبة وإرادة كبيرة منها في تنزيل خطة السلام مع الوطن العربي التي جاء من أجلها سنة 1986 الرئيس شمعون بيريز زائرا للراحل الحسن الثاني بمدينة إفران.
وهذا القرار إمتداد لعلاقات إيجابية بين اسرائيل و مصر و الاردن و دول الخليج .. كأننا اليوم أمام دولة تؤمن بالسلام .. بل فعلا أصبحنا اليوم مع دولة تؤمن بالسلام و التعايش المشترك .. و هذا ما نادى به المرحو م الحسن الثاني في التعاطي مع اسرائيل ، و نبه ووجه أكثر ما مرة اليهود المغاربة إلى ضرورة نشر ثقافة التعايش و السلام التي جمعت اليهود المغاربة بالمغاربة العرب و الامازيغ مسلمين منهم و مسيحيين .. و جعل هذه الثقافة تسود في المؤسسات الوطنية و الدولية لتنتقل من مرحلة الصراع العربي الاسرائيلي الى مرحلة التعايش و التدافع بين المسلمين و اليهود وفق مقررات المنظم الدولي و الشرعية الدولية .
لقد ابادت جميع الحضارات لازيد من 5000 سنة اليهود لانهم شعب الله المختار و لانهم رفعوا لواء التوحيد و لم يزوروا معتقداتهم .. فكان المغرب دائما قبلة لاستقرار اليهود و أمنهم في مالهم وأنفسهم و دينهم و نسلهم .. و لولا الصهيونية المتغطرسة لما عاش العرب هذا الصراع .. لكن الزمن عرى على جميع الحقائق التي حاولت تشويه صورة اليهودي في المخيال العربي .. و خاصة مع نشأة وترعرع الحركات الاسلامية التي جعلت من العداوة مع اليهود مبدأ من مباديء انتشارها و ترعرعها داخل الفكر الوطن العربي ..
لكن بعد 100 سنة و خاصة بعد فشل الاسلام السياسي في تدبير الشأن العام بعد موجة رياح الربيع العربي .. بدأت صورة اليهودي تتحسن و بدأ الفكر العربي الأصيل يعود لإحياء الصور التاريخية الممثل للتعايش العربي الاسلامي مع اليهودي الاسرائيلي .. من عمر ابن الخطاب الى صلاح الدين الايوبي الى محمد الخامس جميعهم ناصروا اليهود عن أعداءهم و عبر التاريخ خصوهم بالعطف و بالدفاع عن حقوقهم الاساسية في العيش بكرامة تحت حكم إسلامي رشيد .
و هو نفس الانتباه الذي وصلت اليه إسرائيل بعد مراجعات لرواسب بنيوية خاطئة تشكلت لها في ظل الصراع العربي الاسرائيلي .. فرست بها بخار التفكير السياسي و الفقهي الى تجديد خطابها السياسي و الابتعاد عن لغة السلاح .. و الاقبال عن لغة السلام و العيش المشترك .. رغم وجود رواسب فكر اسلامي متطرف بمحيطها لازال في حاجة الى مزيد من المقاومة لتجفيف منابعه في غزة .. و كذا لوبي صاحب مصالح ذاتية يبيع ويتاجر بالقضية في الضفة الغربية .. و بين الضفتين هناك صحوة عربية أصيلة تواجه هذا اللوبي المنحرف و تعمل على كبح جماح ذلك الفكر المتطرف .
و ها هي اسرائيل توحد و تعترف بسيادة الدول العربية على أراضيها .. وها هي الجزائر تنكر و تفرق بزرع نار الشقاق و الفراق بين الدول العربية .. و تهرول الى دول بعيدة تسعى لاشراكها في زرع نار الفتنة بالوطن العربي .
حاصل القول لقد تمكن المغرب اليوم من الوصول الى ما خطه المرحوم الحسن الثاني في 1986 مع الرئيس شمعون بيريز بافران .. بفضل القيادة الرشيدة و المتبصرة و الحكيمة للملك محمد السادس نصره الله .
نعم تمكن المغرب من زرع السلام و نشر ثقافة التسامح و التعايش بين الاديان وبين بني البشر .. و ما استمرار أعمال بيت مال القدس بفلسطين إلا خير شاهد على هذا التعايش و على هذا السلام .
لكن قرار اسرائيل الاعتراف بسيادة المغرب على ترابه يعد ثمرة من ثمار ما خطه الحسن الثاني رحمه الله .. و هناك ثمار اخرى في الطريق بعد هذا القرار .. تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس نصره الله من بينها فتح قنصلية بالداخلة لدولة إسرائيل و نقل مكتبها بالرباط الى سفارة .. ناهيك عن تنزيل مشاريع استثمارية عملاقة لمستثمرين يهود مغاربة وغير مغاربة بمدننا الصحراوية 🙁 كالداخلة- العيون- الكركارات – اسمارة – العركوب- واد الدهب …) و بالتالي حسم معركة الوحدة الترابية .
و بكل ثقة نقولها و ليسمعها العالم .. لقد أصبح المغرب اليوم بفضل القيادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده .. نقطة ربط بين قارتين أوربية و أفريقية .. و مركز تلاقح الأفكار العلمية و الثقافية و الدبلوماسية بالحوض المتوسطي .. و فضاء للتعايش المشترك بين دول الشرق الاوسط و شمال افريقيا و امريكا .. فكل الشكر لمن يعترف و يوحد و الخزي و العار لمن ينكر و يفرق .