لا فرق بين شمالي ولا جنوبي، شرقي ولا غربي.. الانتماء هنا مشترك، الانتماء للمدينة وقبل ذلك للوطن والإقليم.. الكل هنا باسفي يشترك في استنشاق ما تنفثه معامل الفوسفاط، ودخان المطرح العمومي، ورائحة الفساد المالي والإداري، التي تزكم الأنوف.
هل تساءلت يوما من أطلقت تلك العبارة الدنيئة، ما وطنها؟ لا أسألك عن تلك الجنسية التي تحملينها في جواز السفر، ولا عن المدينة او القرية التي نشأت بها، وإنما سؤالي كان عن انتمائك، إلى أي وطن تنتمين؟!
بهذا الجزء من هذه المدينة، من هذا الوطن الممتد من شماله إلى صحرائه، توجد أحياء تحوي خيرة المناضلين، الذين لا يرفعون أصواتهم في أبواق المخزن، ولا تستهويهم سيارات الدولة لتنقلهم إلى حيث يريدون.. بها فقراء بسطاء يحسبهم أمثال أمثالك أغنياء من التعفف.. لا يبسطون أيديهم لقواد أو باشوات أو مدراء شركات يسرقون عرق البسطاء، أو عمال أو ولاة يبحثون عن ولاء وتزلف على أعتابهم.. ذلك الحي الجنوبي، المثخن بجراح التهميش، المعتل، الفاقد للهوية العمرانية بفعل لصوص يتسللون ليلًا إلى هذا الحي والأحياء المجاورة، بحثًا عن أصوات مسروقة تقودهم إلى البرج العاجي.
هنا في هذا الجزء من هذه المدينة، يسكن ذلك الأستاذ الشهم، الذي علمك معنى تفكيك حروف الكلمات وإعادة تركيبها… هنا تقطن تلك المرأة المكافحة التي لا تبيع جسدها ولا ضميرها، واختارت طواعية أن تسلك طريقًا وعرًا نحو معامل التصبير للحصول على لقمة عيش حارة.. ذلك المعمل الذي يملكه ذلك الذي يغدق بالاظرفة الصفراء على من يرفعون أبواقهم – كما يرفعون عجيزتهم أو مؤخرتهم- إيذانا بولائهم لأولياء نعمتهم..بهذا الحي يقطن ذلك البناء والمياوم وبائع الخبز والتفاح والليمون والسمك والخضراوات..يطعمون أسرهم من عرق جبينهم، ولا يتزلفون على الأعتاب، ولا يبعون أصواتهم في أبواق التواطؤ.هنا الفقر القابع والتهميش الفاضح..
هنا لهذه الأحياء يتسع مسرح الجريمة شاهدًا على جرائم مسؤولين ومنتخبين، حولوا أحياء الجنوب والشمال والشرق والغرب إلى بقرة مستباح ضرعها… هنا يقطن آلاف من السكان ممن يدركون معنى الوطن والوطنية..هل سألت يوما، من يسرق عرق جبين نسوة ما تسمينه الجنوب؟ من زج بهؤلاء النسوة الى غياهب المستشفيات، بعد ان قادتهن الفاقة والعوز إلى مزابل التصبير، أو ما تسمينها معامل التصبير؟ هل تسألت عن كارثة تبذير المال العام في زمن كورونا؟..في الأخير، وجب السؤال، ألا يقتلون هؤلاء الرعاع الأوطان؟! يقتلونها في نفوس أبنائها، وكأنهم يوجهون لهم الدعوة بوضوح، فلتبحثوا عن وطن آخر، أما هذا الوطن فلنا، لنا نحن فقط.قبل أن تغلقوا الأحياء، رجاء اغلقوا مراحيضكم، واسكتوا صونًا لعرضكم!!