عبد اللطيف أبوربيعة
مهما حاول النظام العسكري بالجزائر الشقيقة تلميع صورته الديكتاتورية الأبدية من خلال ارتداء قناع ديمقراطي وهمي مرة كل خمس سنوات عبر تنظيم (انتخابات رئاسية) قمة في الاستهتار والضحك على دقون المواطنين الجزائريين المغلوبين على أمرهم والمحكومين بقبضة من حديد من طرف هذا النظام الذي يختار لقيادة البلاد رئيسا على المقاس (مفورماتي) وخاضع للمزاج المتقلب لكبار العسكريين المتحكمين الحقيقيين والفعليين في دفة الحكم والجاعلين من الرئيس (المنتخب زورا وبهتانا) بيدق على طاولة شطرنج يحركونه بمزاجهم كما يشاؤون.. مهما حاول هذا النظام المستبد بالحكم في الجزائر منذ سنة 1962 – سنة استقلالها الصوري الذي حصلت عليه دون وثائق استقلال تبوثية – إيجاد موقع قدم له كقوة سياسية أو اقتصادية بين الأمم إلا وفشل فشلا ذريعا وكان محط انتقاد وعزل على الصعيد القاري والعربي والدولي..
وما مهزلة الانتخابات الرئاسية بالجزائر التي تجرى مرة كل خمس سنوات إلا مناسبة لترسيخ التوجه الديكتاتوري لهذا النظام ولتكريس عزلة الجزائر الدولية ..فما جرى في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بالجزائر لخير دليل سواء من حيث تزوير نسبة المشاركة والتي لم تتعدى في الأصل 6 في المئة أو من حيث العدد المعلن للمصوتين على المرشح الفائز والذي ليس سوى الرئيس المنتهية ولايته ” عبد المجيد تبون” ، وهو العدد الذي بلغ ( 5ملايين و630 ألف مصوت) ، وهو لعمري وللغرابة عدد شهداء الثورة الجزائرية الذين قضوا ضد المستعمر الفرنسي حسب ما أعلنه في وقت سابق هذا ” التبون” نفسه المترشح الفائز – والطاعن في نزاهة الانتخابات كسابقة في التاريخ – خلال عهدته الرئاسية الأولى، ناهيك عن نسبة التصويت على المترشح الفائز عبد المجيد تبون التي أعلن أنها ناهزت 95 في المئة ، لتعد كأعلى نسبة سجلت في العالم على مر التاريخ منذ أن تم اعتماد الانتخابات والتصويت لاختيار رؤساء الدول.. ومع ذلك يطعن الرئيس الفائز في نزاهة الانتخابات ربما لأن هذه النسبة كان يجب أن تصل إلى 100 في المئة.. إنه الاستثناء الجزائري الكوميديỊỊỊ
استثناء جزائري كرسته المهزلة والتمثيلية الأخيرة التي سماها النظام الجزائري ” انتخابات رئاسية” والتي لا تحمل من الانتخابات إلا الاسم لأنها بكل بساطة وبشهادة جميع المتتبعين من إعلاميين وسياسيين وغيرهم عبر العالم عبارة عن مسرحية ديكتاتورية سيئة الإخراج أعد سيناريوها سلفا النظام العسكري الجزائري تحت عنوان “المذبحة الانتخابية للديمقراطية التمثيلية ” والتي ليست بغريبة على نظام عسكري ديكتاتوي يحكم الجزائر منذ استقلالها سنة 1962 وينظم لها على رأس كل خمس سنوات هكذا مهزلة انتخابية يختار لها رئيس على مقاسه يخدم أجندته..
مذبحة انتخابية وصفها السفير السابق لفرنسا بالجزائر “كزافيي دريانكور” في تعليقه عليها ب ” رئاسيات لا شيء”.. انتخابات اختار لها العسكر الجزائري بالإضافة إلى الرئيس متنافسين معارضين وهميين للنظام يترشحون وهم على علم مسبق أنهم سينهزمون..
مذبحة تعد استمرارا لمسلسل المذابح الانتخابية بالجزائر الشقيقة على مر التاريخ و منذ (استقلالها) من حيث اختيار النظام العسكري للرؤساء فإما أن يكونوا عسكريين سابقين على شاكلة ” الهواري بومدين بوخروبة” و”الشادلي بنجديد” أو يختارهم النظام ويطبعهم بالطابع العسكري الديكتاتوري من أمثال “لامين زروال” و “عبد العزيز بوتفليقة” أو المرحوم “بوضياف” الذي تم اغتياله من طرف النظام مباشرة بعد توليه الرئاسة..
ولدر الرماد في العيون، أعطى هذا النظام للانتخابات الصورية الرئاسية الأحيرة وكعادته مظهرا ديمقراطيا وهميا تجنبا للحرج والانتقاد من طرف منظمات المجتمع المدني الحقوقية والرأي العام الدولي والأمم المتحدة والاتحاد والبرلمان الأوربيين سواء من خلال اختيار مترشحين مناففسين اثنين :الأول (اشتراكي) والثاني (إسلامي) يعلمان جيدا ومسبقا بأن لا حظ لديهم في الفوز لأنهما ببساطة جزء من اللعبة باعتبارهم أرانب سباق انتخابي محسومة نتيجته لصالح المرشح الذي اختاره ويسانده العسكر والذي ليس إلا الرئيس المنتهية ولايته “عبد المجيد تبونّ”.. وهي النتيجة التي كانت منتظرة ولم تفاجئ الرأي العام إلا أن المضحك المبكي في الاستثناء الجزائري هذا هو الطعن الذي وجه لها ليس من المنافسين الخاسرين فحسب بل حتى من الفائز بها “عبد المجيد تبون” الذي دخل تاريخ المهازل السياسية العالمية كأول رئيس مزور فائز يطعن في الانتخابات الرئاسية.. هو الذي وبإيعاز من النظام العسكري المتحكم جعل من وزير داخليته مديرا لحملته الانتخابية على عهدته الأولى مسخرا بدعم من النظام لهذه الحملة الملايير من الأموال العمومية ومن مقدرات الدولة الجزائرية لشراء الأصوات سواء من داخل الجزائر أو من خارجها وليفوز “عبد المجيدّ ” بالعهدة الثانية رغم امتناع ساكنة منطقة القبايل وشمال الجزائر وآلاف المواطنين في المدن الجزائرية عن التصويت..
وكخلاصة قد يخرج بها المتتبع للمهزلة الانتخابية الأخيرة بالجزائر الشقيقة هو أنه أصبح لا داعي للانتخابات الرئاسية بهذا البلد ما دامت النتائج معدة ومعلومة سلفا في ظل نسبة مشاركة وعكس ما تم ادعاؤه ، منعدمة في منطقة القبايل وجد ضعيفة لم تتجاوز 2 في المئة في بعض مكاتب التصويت..
هو إذن استثناء جزائري ومسرحية في بلد يعيش وضعا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا مزريا محكوم ومتحكم فيه عبر ضغط وقمع رهيبين خاصة في صفوف المعارضين والإعلاميين والذين يوجد أغلبهم إما في السجن وإما تجدهم كتاب آراء وأفكار وتعليمات الضباط العسكريين بالجزائر.. وهو الضغط والقمع الذي تعاني منه الساكنة الجزائرية وخاصة تلك التي تعبر عن معارضتها من خلال الوسائط الاجتماعية كالفايسبوك والتي تتعرض بدورها للاعتقال والسجن والمحاكمة الصورية والسريعة للزج بها في غياهب السجون.. وضع سياسي واقتصادي واجتماعي مزري وصعب للغاية يدفع بالآلاف من المواطنات والمواطنين من مختلف الأعمار والفئات بل وعائلات بأكملها وجنرالات في الجيش ومسؤولين بالإدارات إلى ركوب قوارب الموت للهجرة السرية نجو الشواطئ الاسبانية والإيطالية هروبا من جحيم فرضه النظام العسكري الجزائري على هذا الشعب المغلوب..وضع ينضاف إلى ما تلقته وتتلقاه الدبلوماسية الجزائرية من انتكاسات عديدة ومتتالية ومتنوعة ومن كل حذب وصوب ليس أولها رفض طلب الجزائر بالانضمام إلى منظمة “البريكس” الاقتصادية ، ولا ثانيها قطع العلاقات مع المغرب ومع مالي والنيجر والدخول في مشاكل مجانية مع دولة الإمارات العربية وروسيا ، ولا آخرها تواجد المارشال الليبي “حفتر” الذي يهدد شرق وجنوب الجزائر ، ناهيك عن العلاقة المتوترة حاليا مع فرنسا ومع اسبانيا ودول أخرى ..مما يكرس الفشل الذريع للدبلوماسية الجزائرية عبر العالم..
هو إذن استثناء جزائري بطعم الفضيحة التي لم يشهد قبلها العالم في جزائر يحكمها نظام عسكري ديكتاتوري يدفع بالبلاد إلى الهاوية ويعيش ربما أيامه الأخيرة كأحد الأنظمة المستبدة عبر العالم..