إبراهيم مراكشي:أستاذ جامعي بكلية الحقوق بطنجة
لا شك أن المقاومة الفلسطينية، وأقصد هنا تحديدا كتائب عز الدين القسام، قد شهدت تطورا نوعيا حركيا وتنظيميا وعسكريا، وهذا التطور شمل الإمكانيات والوسائل والمقدرات والقدرة القتالية لعناصرها. فجميعنا نتذكر صواريخ القسام الأولى لحماس، وكيف كانت بدائية، وكيف كان “الإنهزاميون” يسخرون ويتهكمون عليها، واصفين إياها بالكرتونية وبلعب الأطفال. واليوم شهدت هذه الصواريخ تطورا تقنيا ملموسا، سواء من حيث السرعة والمسافة أو الدقة في إصابة الأهداف أو قدرتها التدميرية، حيث نرى كيف تألم الكيان الصهيوني وبإمكانها أن تطال كافة أراضي فلسطين التاريخية.
اليوم المقاومة الإسلامية تقف بثبات في مواجهة العدو الصهيوني، الند للند، محققةً انتصار تلو انتصار؛ عاملان أساسيان وراء هذا النجاح، وهما أساس الانضباط والجدية والحرفية المميز لمقاوميها، إنهما: التربية والتعليم.
حماس حققت هذه المنجزات بفضل التربية والتعليم، وليس بالجبهة العريضة، أو كما يقال بالعامية”السناطح” و”تحمر العينين” و”هشيك بيشيك” و”باك صحبي”، وبتقزيم رجل التعليم وشيطنته، وبالنقط مقابل الجنس أو المال وأشياء أخرى يندى لها الجبين… حماس لم يكن باستطاعتها تطوير منظومة صواريخها سوى بالعلم والمعرفة، واللبنة الأولى التي أرست أسس هذا النجاح هو رجل التعليم. لهذا الوضعية الاعتبارية للأستاذ داخل المجتمع الغزاوي مقدسة، لا تمس، وأعلى أجر في القطاع هو الذي يحصل عليه الأستاذ، لا لشيء سوى لأن الغزاويين أدركوا أن التسلح بالعلم والمعرفة، لا يقل أهمية عن التسلح بالكلاشينكوف. حماس حققت ذلك دون ما حاجة لبرنامج استعجالي للتعليم يستنزف خزينة الدولة، ويكلفها 49 مليار درهم، تبخرت كلها دون نتائج ملموسة تذكر؛ حماس حققت ذلك لأنها لم تعتمد على نظام أساسي مهين لرجل التعليم، ويضرب في الصميم حقوقه عرض الحائط. حماس نجحت حيث فشلت فيه منظومتنا التعليمية، لأنها لم تفصل التربية عن التعليم، الأستاذ الغزاوي معلم وهو مربي أيضاً، إلخ. إن كل جندي من جنود كتائب القسام حافظ لكتاب الله، وعلى مستوى تعليمي عال، ومعظمهم حاصل على شهادات جامعية عليا، ويتقنون التحدث بالإنجليزية إلى جانب اللغة العبرية.
كيف يعقل أنه رغم الحصار المفروض على قطاع غزة والقصف ومختلف أشكال المعاناة، تمكنت الجامعة الإسلامية في غزة من أن تحتل الرتبة 1713 عالميا، في حين على سبيل المثال، نجد جامعة محمد الخامس قد صنفت في الرتبة 1893 وجامعة محمد الأول في الرتبة 2575 عالميا؟ وأحسن جامعاتنا تصنيفا هي جامعة القاضي العياض التي جاءت في المرتبة 1515. هل ينبغي أن نتعرض مدارسنا وجامعاتنا للقصف الجوي حتى نستفيق؟
المنظومة التعليمية في المغرب تعاني جملة من الاختلالات، وقد جرى تشخيصها وهي معلومة ومعروفة عند أصحاب القرار، وأهل الاختصاص وضعوا فوق مكاتبهم التوصيات والمقترحات والحلول. ما أكثر الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة التعليم، وما أقل من بادر منهم إلى تبني برامج إصلاحية لهذا القطاع، لكن هناك يد خفية تعمد إلى افشالها من داخل الوزارة، أيعقل أن جميع البرامج والمخططات الإصلاحية للتعليم قد فشلت منذ سنة 1973 إلى اليوم؟ وكأن هناك أطراف لا ترغب في إصلاح التعليم العمومي حتى يكون قاطرة لتنمية حقيقية، محورها رقي الإنسان وترقيته معرفيا وسياسيا وخلقيا. تظل دار لقمان على حالها، ومشاكل التعليم تراوح مكانها، بل وتتفاقم. هل نأخذ العبرة من الغزاويين؟ ونتعام منهم أن إصلاح المنظومة التعليمية التربوية ببلادنا لا تحتاج لميزانيات ضخمة، بقدر ما تحتاج لإرادة سياسية حقيقية في الإصلاح والتزام وتضحية من لدن جميع الأطراف. أم سيظل كل وزير للتعليم يأتي على رأس الوزارة يتخذ من الأستاذ شماعة يعلق عليها فشل المنظومة بأسرها؟
إن رغب المغرب في التقليص من الفقر، وتحقيق تنمية حقيقية تشمل كافة ترابه الوطني، ويستفيد من ثمارها الجميع، ليس أمامه سوى مدخلين: صحة وتعليم. توفير مجانية الصحة والتعليم للجميع وبجودة عالية؛ وجودتهما من جودة أطرها ومواردها البشرية، وهنا تأتي خطورة النظام الأساسي لرجالات التعليم، لأن مضامينه مهينة للأستاذ وتضرب عرض الحائط العديد من حقوقه المكتسبة.
من المسلمات أن التعليم العمومي هو مفتاح التنمية، ولكن الذي يمسك بذلك المفتاح هو الأستاذ، فإن تم استهدافه في استقراره المجتمعي وأمنه المادي فكأنما نغلق باب التنمية في وجه المغاربة، وهنا نركز على مفهوم التنمية وليس النمو. فالنمو من نصيب الأغنياء، وأما التنمية فهو حق من حقوق الفقراء على الدولة، ولهذا فإن التنمية بهذا المفهوم شبه غائبة عند حكوماتنا المتعاقبة. وأما التشجيع على الإستثمار الخاص في هذا المضمار فهو ليس بحل، ولا حتى تكميلي، لأنه لا يتجاوز نطاق كونه استثمار لفرد لا يستهدف سوى ربحه الشخصي، وليس تنمية وطن. التعليم العمومي هو استثمار لوطن بأكمله من أجل تكامل وترابط بين الأجيال الحالية والأجيال اللاحقة. وهنا نكرر السؤال السابق للمرة الثانية: هل نأخذ العبرة من الغزاويين؟