أساس الوجود وسبيل البقاء، عنصر أساسي للحفاظ على استدامة الحياة، هي المياه العذبة التي لولاها لما وصل العالم لما هو عليه اليوم من رقي وازدهار. وبالتالي ُاعتبر الماء أهم مورد طبيعي، حيث يغطي حوالي 71 % من سطح الأرض، إلا أن الناس قليلا ما يعيرون اهتماما لهذه الثروة النفيسة، ما يدق ناقوس الخطر مشيرا لاقتراب جفاف محتوم لا مفر منه.
الموارد المائية بجهة الدار البيضاء: بين التراجع وتزايد الطلب في مواجهة للتحديات المائية
في لقاء مع الدكتور عبد الحكيم الفلالي، الأستاذ الباحث المتخصص في علم المناخ والماء والتغيرات المناخية بالكلية متعددة التخصصات بخريبكة، أشار إلى أن جهة الدار البيضاء سطات، والتي تعد الأكثر كثافة ديمغرافية بحوالي 5.7 مليون نسمة، تواجه تحديات جمة نظًرا لضعف الموارد المائية السطحية والاعتماد على مصادر خارجية للتزود بالماء. حيث ُيعزى هذا الضعف، حسب الدكتور الفلالي إلى تراجع موارد حوض أم الربيع والاعتماد على مياه سدود بعيدة كسلسلة محمد بن عبد الله. وُيضاف إلى ذلك، الضغط الكبير الناتج عن التركز السكاني العالي والاحتياجات المتزايدة للموارد المائية، مما ُيفاقم من الوضع الحالي.
في مواجهة للتحديات المائية: حلول تهدف لتحقيق استدامة مائية في المغرب
وفي تصريح خاص، أفادتنا عزيزة بلال، رئيسة قسم الاتصال والتعاون في وكالة حوض الماء أبي رقراق والشاوية بأهم التدابير التي اتخدتها الدولة للتغلب على تحديات الجفاف لتي تواجهها، والتي من بينها استغلال الآبار واستخدام شاحنات الصهاريج لدعم امدادات المياه الصالحة للشرب في المناطق الريفية، إضافة إلى عدة مجهودات أخرى كما أكدت على مشروع حوضي سبو وأبي رقراق باعتباره مشروعا ناجحا ساهم في ضمان امدادات المياه الصالحة للشرب للمنطقة الساحلية بين الرباط والدار البيضاء، وتجنب انقطاع المياه.
الطريق السيار المائي.. جسر الحياة سبيل نجاه ساكنة الدار البيضاء من الجفاف:
الطريق السيار المائي، هي مبادرة سامية ترأسها الملك محمد السادس نصره الله، وتهدف الى تأمين المياه للمدن المغربية الكبرى، بما في ذلك الدار البيضاء والرباط، حيث يتم ذلك من خلال تحويل فائض مياه حوض سبو إلى حوض أبي رقراق عن طريق الربط بينهما. هذا المشروع يستهدف تزويد نحو 12 مليون نسمة في محور الرباط – الدار البيضاء بالماء الصالح للشرب في ظل تصاعد أزمة المياه في المدن الرئيسية، وكذلك تخفيف الضغط على سد المسيرة الذي يزود العاصمة الاقتصادية بمياهها. كما ساهمت هذه المبادرة في تحسين الظروف الصحية والنظافة العامة للحد من الأمراض المنقولة عبر المياه. كما يتكون المشروع من منشأة لأخذ الماء سد المنع في إقليم القنيطرة و 67 كيلومتًرا من القنوات الفوالذية بقطر 3200 مليمتر، ومحطتي ضخ بتدفق 15 مترا مكعبا في الثانية، وحوض لإيصال الماء لبحيرة سد سيدي محمد بن عبد الله بالرباط.
رؤية استراتيجية لتوزيع الموارد المائية في المغرب: أكد عبد الحكيم الفلالي على أهمية مشروع الطريق السيار المائي، وأوضح بأنه مشروع استراتيجي هدفه هو إعادة توزيع الموارد المائية بشكل متوازن خاصة بين حوض سبو وأبي رقراق، ونقل مجموعة من الموارد المائية كانت حديثا تضيع في البحر. وأضاف بأن هذا المشروع نجح في تأمين حاجيات الساكنة البيضاوية وحال دون معاناتها من الشعور بالعطش الذي كان بالإمكان أن تعيشه في شهر شتنبر الماضي. كما بين أن لهذا المشروع دورا هاما في تخفيف مشكل التوزيع المتفاوت للموارد المائية بالمغرب، حيث تتركز أكثر من 70٪ من هذه الموارد بإطار مجالي لا يتجاوز 6 ٪ من مساحة المغرب، مما يستدعي مضاعفة التشبيك والربط بين الأحواض المائية، وهو عين ما تسعى إليه الدولة.
غدت أزمة الماء أحد أهم المواضيع التي نالت اهتماما كبيرا من الناس من مختلف الأعراق والأعمار، فهي كارثة تهدد الجنس البشري وجميع المخلوقات دون استثناء. وفي ظل الجفاف الذي يشهده العالم، يعمل المغرب جاهدا على محاربته، مستغال الأزمات للصعود نحو القمة، وشاقا طريقه نحو التميز والاكتفاء الذاتي، ويعتبر الطريق السيار المائي خير دليل على ذلك. مع ذلك، فإن الدولة لن تحقق نجاحا ما دام شعبها جاهل. وعليه، يجب علينا أن نعي بأهمية الماء وضرورة الحفاظ عليه، إضافة إلى تقدير المجهودات التي تبذلها الدولة. فبهذا سنصبح جميعنا مساهمين في تخليص المغرب من أزمة الماء، مراعين حاجيات الأجيال القادمة.