إعتراف اليوم… من تمنطق تحقق
سأخبركم بالفكرة التي غيرت مجرى طريقة التفكير التي أنتهجها، والآن حوالي 7 سنوات عندما سمعتها، وأنا في عُمْر يناهز 15 أو 16 عاما تقريبا، بينما كنت لا أعرف في العالم غير مضامين جريدة المساء التي اعتدت شراءها كل صباح لأخي الكبي، وفي طريقي إلى البيت لطالما خطفت منها الكثير الكثير من الأخبار التي كانت تصفية لحسابات سياسية كبيرة، في حين كنت أعتبر أن الأمل مازال في بعض المناضلين…
رجوعا إلى موضوعنا الأساسي، إلا أن سياق التأمل مهم جدا، فقد كنت أقرأ آنذاك بالإضافة إلى تخصصي العلمي والعلوم الرياضية، كلا من كتب الشعر الثوري لمجموعة من الشعراء العرب، كذلك شعراء المهجر والأدب الرائع للكاتب مصطفى لطفي المنفلوطي وبعض الروايات البوليسية الغنية بثغرات القانون الجنائي.
كانت أول ثورة فكرية أعرفها، حقا غيرت جميع ميكانيزمات التفكير، مع بداية الفلسفة، إنها الفلسفة وما أدراك ما الفلسفة، هل تعرفون أنني اعتبرتها آنذاك قصص خرافية نظرا لأن العادات والتقاليد التي تسود الأحياء كنا نعتبرها حقيقة مطلقة مسلّم بها وغير خاضعة للتأمل والتفكير، وبالتالي اعتبرت الخرافة حقيقة، ونسبية الحقيقة خرافة، قمة التناقض، ولكن اعتراف اليوم جاء في سياق توضيح أن الفلسفة التي أحببت تاريخها المنقسم إلى قبل الأسطورة وبعدها كان جميل ككل القصص التاريخية، فسقطت في عشق تاريخها فقط ومازلت اعتبرها خرافات، واطلعت كثيرا على تاريخها لدرجة أتذكر جيدا أنني حصلت على أول نقطة في الفصل، الامتحان الأول لمادة الفلسفة في الثانوية التقنية بمدينة العرائش المتراوحة في 18,50 تقريبا، لكن بعد عمق الدروس فهمت أنني لم أحب الفلسفة بل أحببت تلك الأسماء التي سمعتها أول مرة في حياتي وشبهتها بالرسوم المتحركة، فآنذاك لا فرق عندي بين أفلاطون، أرسطو وكوكو، بيجيتا، هذا أنا وهذا دماغي وهذه طريقة تفكيري عندئذ، فأهملتها كثيرا بعد هذه النازلة.
وفي أحد الأيام التي مللت بعض دروس الرياضيات قلت مع خاطري بصبغة الاستهزاء ” أرا داك الكتاب د الفلسفة نتفلسف شويا” وأنا أتصفح الكتاب حتى أخدني مصطلح وحيد “الشك” ولكن عندما قرأت اسم الفيلسوف، تأففت قائلا “آه ديكارت مرة ثانية أسماء غريبة وكأنني أشاهد التلفاز” وأنا أغلق الكتاب انتابني شعور الفضول لما سيقول “ديكارت” هذا، فتحت مرة أخرى و قرأت بتمعن، يمكن القول أنني قررت القراءة بتمعن، وهو يكتب “إني أعترف أني ولدت وفي نفسي نزعة عقلية تجعلني أجد اللذة القصوى في اكتشاف الحجج بنفسي لا في الإصغاء لحجج الغير” طبعا كانت جملة مفهومة ومعقدة في نفس الوقت، لكنها ظلت عالقة في فكري عن ظهر قلب، أرددها على مسامعي في جميع أوقات الفراغ، و أتأمل الفكرة القوية بفهمها، والضعيفة بعدم فهمها، لكنها كانت مادة دسمة للتفكير بالنسبة لي، حتى أصبحت قاعدة عامة في التفكير والقراءة والتحليل.
فكان فيلسوف الشك “ديكارت” نقطة الانطلاق في مسيرة حياتي الفكرية.