من قلب مدينة طنجة التاريخية، وتحديدًا بنايات رينشهاوسن وبيتري المُدرجة ضمن قائمة التراث المعماري، تعالت أصوات القاطنين والمهنيين المنتسبين إليها، من خلال جمعية رينشهاوسن للتنمية البشرية، للتنديد بما يعتبرونه حملة ممنهجة تهدف إلى الإخلاء القسري وممارسات تضييقية متكررة من طرف المالكين الجدد.
وفي بيان رسمي صدر بتاريخ 6 ماي 2025، أعربت الجمعية عن رفضها القاطع للوضع المستجد الذي فُرض على السكان والمهنيين دون أي إشراك أو تنسيق مسبق، معتبرة أن ذلك يشكل مساسًا بحقوقهم الأساسية، وعلى رأسها الحق في الاستقرار والكرامة.
وأكدت الجمعية أن الإشكالية المطروحة لا تقتصر على الجوانب القانونية، بل تتعداها إلى أبعاد اجتماعية وثقافية متجذرة، باعتبار أن العديد من الأسر تقطن هذه المباني منذ أجيال، وبعضها يعود تواجده لأكثر من مائة عام، ما يجعل هذه البنايات رمزًا حيويًا من رموز المدينة، لا مجرد ممتلكات قابلة للتفويت أو التصرف دون مراعاة لسياقها التاريخي.
وأشارت الجمعية إلى أن الأسلوب الذي اتبعته الجهات المالكة الجديدة يتسم بالإقصاء والانفراد بالقرارات، خاصة من خلال رفع دعاوى استعجالية تحت ذريعة “احتلال بدون سند قانوني” دون إشعار مسبق، ما أثار حالة من القلق والارتباك بين السكان والمستخدمين.
ولم تُخفِ الجمعية استياءها من تهميش الدور الذي اضطلع به السكان في الحفاظ على هذه المعالم، عبر ترميمها وصيانتها بوسائلهم الذاتية، في غياب أي دعم من السلطات العمومية أو الملاك السابقين، وهو ما يطرح علامات استفهام حول مدى إنصاف هذا التعاطي.
ومن أبرز مصادر التوتر التي تطرق إليها البيان، حضور عنصر أمني خاص تابع للشركة المالكة داخل العمارات، دون توضيح رسمي لمهمته، مما ولّد مناخًا من الريبة والانزعاج، ودفع الجمعية إلى المطالبة بإبعاده على الفور لضمان استقرار الأجواء داخل المبنى.
ورغم الاحتقان القائم، عبّرت الجمعية عن استعدادها الكامل للانخراط في حوار شفاف ومسؤول، داعية كافة المتدخلين، من سلطات وفاعلين حقوقيين ومدنيين، إلى العمل على إيجاد تسوية عادلة ومتوازنة تحفظ كرامة الساكنة وتُراعي القيمة الرمزية والتاريخية لهذه الفضاءات.
ومن بين المطالب المستعجلة التي رفعتها الجمعية: إيقاف جميع المتابعات القضائية، إتاحة قنوات قانونية لدفع الإيجارات، وتفعيل آليات للتواصل تحت إشراف السلطات المختصة واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، بهدف إحاطة الملف بالجدية اللازمة.
وختمت الجمعية بيانها بتحذير من أن استمرار هذا النزاع يهدد بفقدان هذه المعالم لقيمتها التاريخية، لا سيما وأن إدراجها ضمن لائحة التراث المعماري جاء عقب زيارة ملكية سنة 2005، معلنة عزمها مراسلة كافة الجهات المعنية، وطنية ودولية، بما في ذلك الديوان الملكي، دفاعًا عن هذا الإرث الحضري.
وجاء ختام البيان برسالة موحدة: “لن نُؤكل فرادى.. وحدتنا هي قوتنا”، تأكيدًا على تمسك السكان بحقهم في البقاء والعيش الكريم داخل فضاء يُعتبر جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة طنجة والمغرب.