يبدو أن الشرخ التنظيمي الذي يعرفه حزب العدالة و التنمية بفعل خلافات حادة والتي بدأت بوادره الأولى مع إعفاء رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، لن يتوقف عن التفاقم خاصة بعد ميلاد مذكرة مطلبية موجهة من عدة شباب إلى المجلس الوطني “برلمان الحزب” تدعوه إلى “لحظة تنظيمية فاصلة للتصالح مع الذات”، تتمثل في عقد مؤثمر وطني استثنائي. دعوة اعتبرها مراقبون اشارة لانشقاق تنظيمي آت لا محالة.
مؤتمر اسثتنائي هنا والأن
دعا أعضاء من حزب وشبيبة العدالة والتنمية إلى تفعيل المادة 24 من النظام الأساسي للحزب، والذي يخول للمجلس الوطني صلاحية الدعوة لمؤتمر استثنائي بعد موافقة ثلثي أعضائه. ويقول هؤلاء في مذكرة وجهت لأعضاء المجلس الوطني أن “فئة مهمة من قواعد وقيادات حزب وشبيبة العدالة والتنمية وقفوا على هوة باتت موجودة بين القواعد والقيادات الحزبية في العدالة والتنمية”.
وأضافت المذكرة التي توصلت بها جريدة الواضح24 “انسداد الفضاءات التنظيمية الخاصة لاحتواء نقاش هادئ ورصين في شتى القضايا المفصلية، خلصنا إلى أن قيادات الحزب والشبيبة تراهنان أكثر على تناسي هذه اللحظات، وإطفاء نار الغضب في صفوف المناضلين، استنادا لمقولة “كم حاجة قضيناها بتركها”، والتذرع بقاعدة “الرأي حر والقرار ملزم”، في حين أن الرأي الحر لا يناقش، والقرارات الملزمة لا تزيد الوضع إلا تأزما، ومراكمة الخلافات وتجميد المؤسسات لن يكون وقعه على الحزب ومناضليه إلا سيئا”.
وتتابع المذكرة “لهذا تأتي مبادرتنا كمحاولة لاستعادة هوية الحزب الوطنية و النضالية”، مشيرة إلى “المؤتمر الاستثنائي كمحطة تنظيمية كفيلة بإخراج الحزب من حالة التخبط”. هذا وقال القيادي ونائب رئيس المجلس الوطني لحزب المصباح، عبد العالي حامي الدين في تصريح لجريدة الواضح24 أن هذه المذكرة التي وجهت لبرلمان حزبه من طرف مجموعة من الشباب يطلبون من أعضاء المجلس تبني هذا المقترح والتي عرفت في لائحتها الأولية 40 توقيعا. وأضاف القيادي ذاته، أن هذا المطلب لا يمكن إدراجه في جدول أعمال المجلس إلا إذا تم تبنيها من طرف أعضاء في المجلس ذاته.
إبراء للذمة وشهادة للتاريخ.. ولا علاقة لبنكيران بها
أحد الموقعين والداعيين للمبادرة وفي إتصال هاتفي مع الواضح24 صرح أن هذه الخطوة ما هي إلا إبراء للذمة وشهادة للتاريخ، وأضاف قائلا “كن المجلس الوطني دار شغلو مكناش غنخرجو مذكرة”، وتابع المصدر ذاته أن مطلب المذكرة مطلب عادي وبسيط. وبخصوص الإجابة على علاقة عبد الإله بنكيران بالمذكرة، يقول نفس المصدر أن الأمين العام السابق للحزب لا علاقة له بها، كما أن المذكرة لا تستهدف مناصرة أي رمز ولا تأسيس أي تيار.
المبادرة تمهد العودة لبنكيران
بخصوص القراءات التي يمكن أن تستشف من هذه الخطوة، يقول الأستاذ الجامعي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بطنجة، ابراهيم المراكشي، أن هذه المبادرة تحمل عدة قراءات وتحليلات متباينة، فمن جهة يمكن اعتبارها دليلا على مناعة الحزب وديمقراطيته، ومن جهة أخرى توضح وجود صراع خفي، يخفو تارة ويظهر تارة بين أنصار بنكيران، وتيار أخر يضم عناصر متباينة قاسمها المشترك، أنها تخاف من عودة بنكيران لرئاسة الحزب، ووجدت في شخصية العثماني هدفا مرحليا التفت حوله دون أن يعني ذلك أنها تؤيده.
وقال المراكشي للجريدة أن هذه المبادرة تحمل نقدا شديدا وصريحا للفترة التي ترأس فيها العثماني الحزب والحكومة، مشيرا إلى أنها “حملت الرجل ما لا ناقة له ولاجمل، خاصة وأنه لم يكن محظوظا عندما ترأس الحكومة في ظرفية الجائحة كوفيد 19 التي أتت على الأخضر واليابس” . وحسب المراكشي، فإن من كتب هذه المبادرة كأنه يقول للعثماني “قيادتك فاشلة وآن أوان رحيلك”.
ولم يخف المراكشي استفادة جهات خارجية من هذا الصراع وأشار إلى أنها “ستحاول إضرام النار في هذه الأزمة وتعميق الخلاف للعصف بوحدة الحزب وضرب كتلته الانتخابية”. وأشار المتحدث ذاته إلى أن هذه المبادرة تسعى “لتمهيد عودة بنكيران الذي ظلت عملية إخراجه من رئاسة الحكومة تعتبر مهينة وأن حلفاءه بالأمس خذلوه”.
وأكد الأستاذ الجامعي أن هذه “المبادرة بدأت ككرة من لهب صغيرة تتدحرج من أعلى الجبل” مشيرا إلى أن “أمامها احتمالان لا ثالث لهما، إما سيتم التحكم في مسارها بشكل عقلاني ويتم إطفاؤها بالاستماع إلى صوت العقلاء في الحزب، والتوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف”. وفي هذا الإطار “لا بد من تقديم تنازلات، وإما أن الكرة ستلتهب وستصيب شظاياها الجميع، وفي هذه الحالة، سيكون الجميع خاسرا على المدى البعيد، لأن المنتصر على المدى القريب سيكون ضعيفا.”