في خطوة غير مسبوقة، أقدم وزير التربية الوطنية، سعد برادة، يوم الثلاثاء 12 مارس الجاري، على إعفاء مجموعة من المديرين الإقليميين، استنادًا إلى تقارير رسمية كشفت عن اختلالات جسيمة في التدبير الإداري والمالي. وبينما رحب العديد من العاملين بالقطاع بهذا الإجراء، إلا أن التساؤلات بدأت تطرح حول مدى شموليته، خاصة مع بقاء بعض الأسماء النافذة في مناصبها رغم ورود أسمائها في تقارير مماثلة، إن لم تكن أكثر خطورة.
لطالما شكل إصلاح منظومة التربية والتكوين رهانًا استراتيجيًا، أكدته التوجيهات الملكية في مناسبات عديدة، إلا أن التنفيذ ظل متعثرًا، بسبب استمرار نفس الأسماء في مراكز القرار، رغم فشلها في تنزيل مشاريع إصلاحية سابقة. فهل يمكن الحديث عن إصلاح حقيقي في ظل الإبقاء على نفس الأدوات التي أثبتت فشلها مرارًا؟
لا جدال في أن الإعفاءات الأخيرة قد تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تظل ناقصة ما لم تشمل جميع المسؤولين الذين ساهموا في تكريس وضع مختل داخل المنظومة. فكيف يمكن تبرير إعفاء بعض المديرين الإقليميين، بينما تستمر شخصيات أخرى في مناصبها، بل وتتم ترقيتها، رغم صدور تقارير رسمية تدينها؟
من بين الأسماء التي يثير غيابها عن قرارات الإعفاء الكثير من الجدل، محمد أضرضور، المدير السابق للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الرباط سلا القنيطرة، والذي صدرت في حقه تقارير رسمية تؤكد تورطه في مجموعة من الاختلالات، من بينها:
التأثير غير القانوني على الصفقات العمومية، حيث مارس ضغوطًا غير مشروعة على لجنة طلب العروض رقم 5/E/2015 الخاصة بصفقة الحراسة (رقم 23/2015/E)، من أجل تغيير نتائجها لصالح مقاولة بعينها.
عدم احترام المساطر القانونية، من خلال إعداد دفتر تحملات غامض، مما أدى إلى إضعاف مبدأ المنافسة العادلة بين الشركات المتقدمة للصفقة.
مركزة تدبير الميزانية، عبر سحب تفويض الاعتمادات من المديرين الإقليميين، مما أثر سلبًا على تدبير الشأن التربوي على المستوى الجهوي.
تنفيذ صفقات دون تأشيرة مراقب الدولة، من بينها صفقات تموين الداخليات والمطاعم المدرسية.
اتخاذ قرارات تعسفية، شملت إعفاءات دون احترام المساطر الإدارية، وتسريب وثائق إدارية لأطراف خارج القطاع.
ورغم هذه التجاوزات الخطيرة، لم يتم فقط الإبقاء على أضرضور في منصبه، بل تم تمديد ولايته ثم ترقيته لاحقًا إلى منصب مدير مديرية الموارد البشرية بالوزارة، في خطوة اعتبرها العديد من المتتبعين استهتارًا بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فهل يتجاوز الوزير برادة الخطوط الحمراء؟
قرارات الإعفاء الأخيرة تفتح الباب أمام سؤال جوهري: هل يتوفر الوزير على الشجاعة الكافية لمواصلة المسار وفتح ملفات الفساد دون انتقائية؟ أم أن ما يحدث لا يعدو أن يكون مجرد حملة تطهير لبعض الأسماء، بينما يستمر آخرون في الإفلات من المحاسبة بفضل نفوذهم داخل دوائر القرار؟
إن إصلاح التعليم لا يمكن أن ينجح إذا ظل رهين الحسابات السياسية والمصالح الشخصية. فإذا أراد الوزير أن يُحسب له أنه اتخذ خطوة جادة نحو التغيير، فعليه أن يذهب إلى أبعد من ذلك، ويفتح كل الملفات، بغض النظر عن الأسماء والمواقع.
الأيام القادمة ستكشف إن كان ما يحدث هو بالفعل تطهيرٌ حقيقيٌ للمنظومة، أم مجرد إعادة توزيع للأدوار، دون المساس بجذور الفساد.