بالرغم من أن جل قراراته تسببت في إثارة غضب وحنق الشارع الطنجاوي، إلا أن الوالي المهيدية يظل في منأى عن المحاسبة والمساءلة أمام الرأي العام، بل أحيانا محط إشادة وتنويه من قبل بعض المنابر الإعلامية التي لازالت تنتظر الفرصة لتبرز الرجل الذي خلف محمد اليعقوبي كفارس أول في مضمار الجهة.
ففي الوقت الذي ينتقد فيه عمدة مدينة طنجة البشير العبدلاوي ويخضع للمساءلة الإعلامية ويحاسب على كل صغيرة وكبيرة، يظل المسؤول الأول في الجهة مغيبا عن دائرة المحاسبة والنقد ويتم التعامل مع قراراته بنوع من المهادنة والليونة.
طبعا للرجل محاسن كثيرة يذكرها العديدون، وحسب مراقبين فإن الفترة التي يترأسها والي الجهة ليست بالسهلة، فهي تتعلق بظروف استثنائية، يصعب التعامل معها.
فبعد أكثر من 20 يوما من مصادقة الحكومة على مرسوم جديد يمدد حالة الطوارئ إلى غاية 10 غشت القادم والذي يمنح للولاة والعمال صلاحيات جديدة كل في نطاق اختصاصه الترابي، بحيث يمكنهم من اتخاذ أي إجراء على مستوى كل إقليم وعمالة أو جماعة أو ٱكثر لمواجهة الوباء، بالاضافة الى ذلك وفي ذات الاطار يحق للولاة والعمال وفق المرسوم عينه تخفيف أو تشديد الإجراءات، جريدة الواضح 24 تحاول تتبع مسار قرارت الوالي المهيدية التي أحبطت الشارع الطنجاوي وكيف كان تعامله مع جائحة كورونا؟ وهل كانت قراراته دستورية وصائبة؟؟
الانفراد والتغول وخرق الدستور
وفي جواب على هذا السؤال يجيب جمال العسري القيادي النقابي وعضو حزب المكتب السياسي بحزب الاشتراكي الموحد بالقول: “أولى الملاحظات التي يمكن تسجيلها على هذه التدابير والقرارات، غياب أو ضعف التواصل مع المواطنين وهذا فيه خرق للمرسوم المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، حيث جاء في مادته الثالثة “… وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات من أجل التدخل الفوري… “، فما يسجل على الولاية هو غياب التواصل، غياب البلاغات، غياب المناشير… مما جعل المواطنين وساكنة الإقليم يعيشون تحت سلطة الإشاعات والبلاغات الكاذبة الأخبار المتناقضة التي ساهمت في نشرها ومع الأسف مجموعة من المواقع الإخبارية الوطنية والمحلية، كخبر إغلاق الوحدات الصناعية إلى حدود يوم 13 غشت أي بزيادة ثلاثة أيام عن حالة التمديد وكأن السيد الوالي عمل على خرق الدستور بتمديده لحالة الطوارئ وهو الخبر الذي لم تكلف الولاية نفسها لتكذيبه مع ما يحمله من خرق وتجاوز للقوانين وللدستور.”

وأضاف العسري “أن الوالي المهيدية كان يسير على نهج رئيسه المباشر وزير الداخلية الذي انفردت وزارته باتخاذ الإجراءات والتدابير، فالوالي مضى على نفس النهج وغيب السلطات المنتخبة وممثلي الساكنة وعلى رأسهم عمدة المدينة ورؤساء مقاطعاتها” مشيرا إلى أن “الانفراد والتغول تجاوز السلطات المنتخبة ليصل إلى الشركاء الاجتماعيين وبالخصوص النقابات، حيث عقد معها الوالي اجتماعا وحيدا، وبالرغم من انتشار الوباء داخل الوحدات الصناعية واحتجاج الأطر الصحية على اللأوضاع الكارثية التي يعيشها قطاع الصحة بالإقليم إلا أن الوالي ظل يتجاهل الجلوس مع الفعاليات النقابية.”
ومن المؤاخذات أو التساؤلات التي يمكن طرحها على السيد الوالي يقول جمال العسري “هي حول مدى تطبيه للمادة الثالثة من مرسوم إعلان حالة الطوارئ الصحية وخاصة الفقرة التي تقول “سواء كانت هذه التدابير ذات طابع توقعي أو وقائي أو حمائي ” فما هي هذه الاجراءات التوقعية التي تم اتخاذها ؟؟ و ما هي الاجراءات الوقائية أو الحمائية التي تم اتخاذها ؟؟ بل هل فعلا اتخذت هذه الاجراءات خاصة مع ما سجل من ارتفاع في حالات الإصابة مباشرة بعد إعادة العمل للوحدات الصناعية، العملية التي تمت في غياب ما طالب به المجتمع المدني من ضرورة اجراء الفحوصات الضرورية لجميع الأجراء والعمال قبل انطلاق العمل وهو الأمر الذي لم يتم إلا بنسبة جد ضعيفة وفي عدد جد قليل من هذه الوحدات”.
قد يرى مراقبون أن الظرفية الحالية لا تخدم محمد المهيدية نظرا لصعوبتها ولخطورة المرحلة التي تحتاج لقرارات صعبة قد تبدو مزعجة للساكنة ولكن ضرورية للحد من انتشار الوباء.
في هذا الصدد يقول الأستاذ الجامعي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة ابراهيم المراكشي “أعتقد أن والي جهة طنجة-تطوان-الحسيمة لم يكن محظوظا مقارنة مع سابقيه، فهو يستحق لقب والي كورونا طنجة لأنه تزامن مع جائحة كوفيد-19، التي تعد بحق أخطر أزمة. يواجهها المغرب منذ استقلاله. وأضاف قائلا “صحيح أن جميع القرارات التي اتخذها الوالي محمد مهيدية لم تحظى برضى عموم الساكنة التي تضررت أنشطتها، حيث عشنا جميعا احتجاجات الطاكسيات والباعة المتجولين، وغيرهم… حتى الفاعلين الصناعيين عبروا عن امتعاضعهم من تلك القرارات، لكن ينبغي التنبيه إلى أن دوره ليس حيازة رضى أي طرف من الأطراف، وإنما اتخاذ التدابير الكفيلة للحد من انتشار الوباء”. قبل أن يوضح “لا أعتقد أن قرارات الوالي ارتجالية، أتفهم أن يشعر المواطن العادي بذلك، لكن ليس من يعرف خبايا الأمور”.
ولكن لماذا الوالي أصدر قرارات ثم تراجع عنها، ألا يعني هذا ارتجالية في تدبير المرحلة؟.

وفي جواب على هذا السؤال يقول ابراهيم المراكشي “جميع القرارات اتخذت على ضوء معطيات تطور انتشار الفيروس، والتراجع الذي حصل في ظرف وجيز عن بعض القرارات واستبدالها بأخرى يعود إلى تغير طارئ للحالة الوبائية بالمدينة. لا يمكن إرضاء الجميع، وليس مطلوبا من الوالي ذلك في هذه الظرفية، لأنه لو فتح الباب في هذا المجال لن يتمكن من إغلاقه، كما أن مطالب بعض الأطراف المتضررة يصعب الاستجابة لها، لأنها تنظر من مصالحها الضيقة، دون مراعاة خطورة الحالة الوبائية. لا ننسى أن القرارات تستند إلى الصلاحيات المخولة للولاة بموجب المرسوم الذي قضى بتمديد حالة الطوارئ الصحية حتى العاشر من هذا الشهر”.
قبل أن يطالب المتحدث ذاته جميع الأطراف بالصبر “وخلق خلية لمواكبة الأنشطة المتضررة وتحديد الخسائر، والبحث عن ايجاد الحلول للتخفيف من حدة هذه الأزمة، التي يبدو أنها ستطول أكثر من المتوقع.”
فالبرغم أن القراءات قد تتعدد بين مرحب بقرارات الوالي المهيدية ومنتقد لها، إلا أن المسلم به أن الرجل يقود مرحلة صعبة تتطلب الكثير من التشاور والانفتاح بدل الانغلاق والانكفاء على الذات.