لطالما كان العمل النقابي في المغرب جزءًا من المشهد السياسي والاجتماعي، حيث يلعب دورًا في الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للشغيلة، إلا أن بعض الزعامات النقابية أصبحت تتجاوز الأدوار التقليدية للنقابة، وتسلك مسارات تحمل في طياتها إشارات خطيرة قد تصل إلى حدود المساس بالثوابت الوطنية، سواء من خلال الخطابات التصعيدية أو من خلال مواقف وارتباطات مشبوهة على المستوى الدولي.
وفي هذا السياق، يطرح السؤال حول مواقف الميلودي مخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، والميلود معصيد؛ الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم-UMT، حيث توالت مؤشرات عدة تكشف عن نهج مريب يتجاوز حدود العمل النقابي، ويدخل في خانة الاستهداف المباشر للمؤسسات الدستورية والوحدة الترابية للمملكة.
فالمتتبع للخرجات الإعلامية لكل من مخاريق ومعصيد خلال الأسابيع الماضية، سيلاحظ أن لهجتيهما لا تقتصرا على المطالب الفئوية للشغيلة التعليمية، وإنما تجاوزت ذلك إلى خطاب يهاجم الحكومة بشكل يوحي بأن الرجلين يتقمصان أدوارًا تتجاوز العمل النقابي التقليدي.
فمن جهة، ظهر مخاريق في عدة مناسبات وهو يهاجم وزراء في الحكومة بأسلوب عدائي، متجاوزًا الأعراف التي يفترض أن تحكم العلاقة بين النقابات والسلطات العمومية، والتي تقوم على الحوار والضغط المشروع، لا على التصعيد غير المبرر والموجه سياسيًا.
ومن جهة أخرى، خرج معصيد بخطاب تصعيدي ضد وزارة التربية الوطنية، وكأنه في معركة سياسية مفتوحة، وليس في مفاوضات نقابية يُفترض أن تبقى في إطارها الاجتماعي والمهني.
ومن بين أخطر المؤشرات كذلك التي تؤكد خروج ذات القيادة النقابية عن الأعراف والقوانين المؤطرة للدولة المغربية، مطالبتها بإعفاء هذا المسؤول أو ذاك من منصبه، وهي المطالبة التي لا تعتبر فقط خروجًا عن المطالب النقابية المشروعة، بل هي أيضًا تدخل سافر في اختصاصات رئيس الحكومة، وبالتالي فإن مثل هذا التصرف يعكس جهلًا أو تجاهلًا للقوانين المؤطرة ذات الصلة، كما يشكل تجاوزًا خطيرًا لمنطق العمل المؤسساتي واحترام الاختصاصات كما يضمنها الدستور. فليس من حق أي نقابة، مهما كانت، أن تتطاول على صلاحيات رئيس الحكومة، تحت أي مبرر كان، حيث إن ما يُفترض أن تنشغل به النقابات الجادة هو تحسين ظروف الشغيلة وتحقيق مكتسباتها، لا الدخول في صراعات فارغة تستهدف مسؤولين معينين بمراسيم، في محاولة للضغط من أجل تحقيق مآرب شخصية أو سياسية.
وهنا تبرز المقارنة بين تدبير وزير التربية الوطنية الحالي شكيب برادة، وسلفه شكيب بنموسى، حيث أثبت الأول فشله في فرض مواصلة الحوار القطاعي رغم انسحاب نقابة UMT، بينما نجح بنموسى سابقًا في الاستمرار في التفاوض حول النظام الأساسي الجديد لمنظومة التربية والتكوين، رغم انسحاب نقابة الجامعة الوطنية للتعليم -التوجه الديمقراطي- آنذاك.
فلماذا لم يستطع برادة فرض نفس المنطق؟ هل هناك ضغوط خفية تمارسها بعض الأطراف لتعطيل الحوار؟ أم أن الوزير الحالي يفتقر إلى الصرامة الكافية التي تمكنه من ضبط الأمور كما فعل سلفه؟
إن المتتبع للوضع داخل قطاع التربية الوطنية سيدرك أن هناك محاولات متكررة لإثارة القلاقل والاضطرابات، وهذا ما يظهر جليًا من خلال التصعيد المستمر لنقابة UMT التي لم تكتفِ بتعطيل الحوار، بل دفعت بعض الفئات إلى الاحتجاج والنزول إلى الشارع، في مشهد يُذكّر بالمخططات التي تهدف إلى خلق احتقان اجتماعي كبير يكون ضحيته رجال ونساء التعليم.
فإذا كان الهدف الحقيقي هو تحقيق المطالب الفئوية، فلماذا لم تسلك هذه النقابة مسار الحوار والتفاوض بدل اللجوء إلى العرقلة والتأزيم؟ وهل الغاية هي فقط الضغط على الوزارة، أم أن هناك أجندات خفية تسعى إلى تأجيج الوضع في قطاع حيوي مثل التعليم، مما قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي أوسع؟
وفي كل الأحوال، فإن مثل هذه الممارسات تؤكد أن هكذا قيادات نقابية لم تعد تتحرك وفق منطق الدفاع عن الشغيلة، بل أصبحت جزءًا من صراعات سياسية لا تمت بصلة لمطالب عموم العمال والأجراء والموظفين، وهو ما يستوجب الوعي بخلفيات هذه الهجمات، وعدم الانسياق وراء مناورات تخدم أجندات ضيقة على حساب استقرار السلم الاجتماعي ومصداقية العمل النقابي.
كما أن الملفت في هذه الخطابات ليس فقط حدتها، بل محاولة إعطائها طابعًا سياسيًا شاملًا، مما يوحي بأن الرجلين لا يهدفان إلى تحقيق مطالب الشغيلة فحسب، بل يسعيان إلى إرباك المشهد العام، وربما استهداف الاستقرار المؤسساتي الذي يميز المغرب.
كما لا يمكن النظر إلى دعوة الجامعة الوطنية للتعليم-UMT إلى إضراب على مستوى معبر الكركرات بمعزل عن السياق الجيوسياسي، حيث إن هذا المعبر يعتبر نقطة استراتيجية في مواجهة الأطروحة الانفصالية لأعداء الوحدة الترابية، ومن ثمة، فإن اختيار هذا الموقع بالذات لخوض إضراب، يتجاوز البعد المطلبي المشروع، ليأخذ أبعادًا سياسية وأمنية خطيرة، خاصة وأن الجهة الداعية للإضراب تنتمي لنقابة يقودها الميلودي مخاريق، المعروف بمواقفه المثيرة للجدل، والمتناقضة كذلك في كثير من الأحيان، خاصة وأن هذا الإجراء يتماهى مع الأجندات التي تحاول التشويش على نجاحات المغرب في الدفاع عن صحرائه، خصوصًا بعد تأمين معبر الكركرات بشكل نهائي سنة 2020، وهو ما يطرح علامات استفهام حول دوافع هذا القرار.
وفي تطور آخر يثير القلق، نشرت شبكة UNI Global برقية مساندة موجهة إلى الميلودي مخاريق، وهو ما يثير عدة تساؤلات نظرًا لكون هذه الشبكة تنشر على موقعها الرسمي خريطة المغرب مبتورة من صحرائه.
فكيف يمكن لنقابي يدعي الدفاع عن حقوق الشغيلة المغربية أن يحظى بدعم من منظمة ذات موقف عدائي واضح تجاه الوحدة الترابية للمغرب؟
وهل هذه المساندة مجرد صدفة، أم إن هناك ارتباطات خفية بين مخاريق وهذه الشبكة، التي تعتبر إحدى الأذرع النقابية الدولية التي تُوظَّف في بعض الأحيان لخدمة أجندات تتعارض مع مصالح الدول الوطنية؟
صفوة القول، إذا جمعنا هذه المعطيات، نجد أننا أمام سيناريو تتداخل فيه الحسابات السياسية مع العمل النقابي، في سياق يُظهر أن بعض القيادات النقابية لم تعد تكتفي بالمطالب الفئوية، بل باتت تسعى إلى توظيف الاحتجاجات لخدمة أجندات غامضة ذات الصلة ب:
استهداف رئيس الحكومة ووزارة التعليم بأسلوب غير مسبوق وغير لائق،
اختيار معبر الكركرات كمسرح لإضراب نقابي،
الاستفادة من دعم منظمات ذات مواقف عدائية للوحدة الترابية،
والتطاول على اختصاصات رئيس الحكومة في شأن ما يخوله له الدستور من صلاحيات لاختيار من يراه مناسبا لتعيينه في بعض المناصب العليا.
كلها مؤشرات تدفع إلى التساؤل عما إذا كنا أمام محاولات لاختراق النقابات واستغلالها لضرب الاستقرار الوطني؟
إذ ليس هناك شك في أن العمل النقابي جزء أساسي من الديمقراطية، لكنه عندما يتحول إلى منصة لاستهداف المؤسسات الدستورية أو التماهي مع أجندات معادية للوحدة الترابية، فإنه يفقد شرعيته ويتحول إلى أداة لزعزعة الاستقرار.
إن الميلودي مخاريق وميلود معصيد أمام اختبار حقيقي: فهل سيعودان إلى جادة العمل النقابي المسؤول، أم إن مساريهما سيستمر في الاتجاه الذي يهدد الثوابت الوطنية؟
الأيام القادمة إذن ستكشف الكثير، لكن ما هو مؤكد أن المغاربة واعون بما يحاك في الكواليس، ولن يسمحوا لأي كان، مهما علا شأنه داخل التنظيمات النقابية، أن يمس بوحدتهم الترابية أو بثوابتهم الوطنية.