المستهلك بين ثقافة الشكوى وثقافة المسؤولية
من خلال تجربتي الطويلة في العمل داخل جمعية لحماية المستهلك، ( رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين) وقفت على حالات متكررة تكشف عن مفارقة غريبة ، هناك من يصرخون في كل مكان بأنهم تعرّضوا للنصب أو الغش أو الاستغلال، لكنهم، حين يجدون جهة جادّة مستعدة لمساندتهم وفق القانون، يختفون فجأة، أو يرفضون تقديم الحد الأدنى من المعلومات التي تسمح بفتح ملف ومتابعة قضيتهم.
قبل أيام، اتصل بي شخص عبر مواقع التواصل الاجتماعي يشتكي من غلاء فواتير أحد المطاعم، ويدّعي أنه ضحية نصب. استمعت إليه باهتمام، وطمأنته بأن الجمعية مستعدة للتدخل إذا قدّم شكواه رسميًا، عبر نموذج يتضمن اسمه الكامل، ورقم هاتفه، ورقم بطاقته الوطنية، حتى نتمكن من توثيق الواقعة ومخاطبة الجهات المعنية. لكن المفاجأة أنه، بمجرد أن أدرك أن الأمر جاد ويتطلب معطيات رسمية، حذفني من قائمة أصدقائه وقطع كل اتصال.
هذه الحادثة ليست استثناءً، بل هي نموذج يتكرر مع كثير من “المستهلكين” الذين يكتفون بالصراخ في الفضاء الرقمي، إما من باب المبالغة أو لتصفية حسابات شخصية أو لنشر معلومات غير دقيقة. المشكل أن هذا السلوك لا يخدم قضية المستهلكين الحقيقيين، بل يفرغ الشكاوى من مصداقيتها، ويجعل التجاوب الرسمي مع قضايا الغش أكثر صعوبة.
إن ثقافة الشكوى الحقيقية تقوم على المسؤولية والمصداقية: على المستهلك الذي تعرض لضرر أن يوثّق الواقعة، ويصرّح بمعلوماته، ويتابع الملف حتى نهايته. أما الاكتفاء بالاحتجاج الشفهي أو الكتابة الغاضبة على فيسبوك، فهو مجرد تنفيس لا يغيّر شيئًا على أرض الواقع.
حماية المستهلك ليست شعارًا ولا “لايكات”، بل هي عمل جماعي بين المواطن والجهات المعنية، يقوم على الشفافية والتعاون. وكلما كان المستهلك أكثر وعيًا بحقوقه وواجباته، كلما كان صوتنا جميعًا أقوى في مواجهة أي استغلال أو غش.
لا حماية ولا حقوق للمستهلك بدون مستهلك ناضج و مستعد للتعاون مع الجمعيات الحقوقية التي تعنى بحماية المستهلك
حسن الحداد