محمد غيلان : معارضة من داخل الأغلبية أم فن الهروب من المسؤولية؟
حسن الحداد
لا يخفى على متتبعي الشأن المحلي بمدينة طنجة أن نائب العمدة، محمد غيلان ، ظل طوال مساره السياسي، الممتد لأكثر من عقدين، حاضرًا بقوة في المشهد، لكن ليس دائمًا بالفعالية أو الانسجام المطلوب. الرجل الذي تقلد مهامًا متعددة داخل الجماعة والمقاطعة، وشارك في تدبير الشأن المحلي في أكثر من ولاية، لا يزال إلى اليوم يتحدث وكأنه من خارج المنظومة، يمارس النقد كما لو أنه لم يكن يومًا جزءًا من المسؤولية.
ترحال سياسي بلا بوصلـة
من أبرز ما يطبع مسار غيلان هو الترحال السياسي. فمن حزب إلى آخر، ومن لون إلى لون، دون أن يقدّم مراجعة فكرية أو مبررًا سياسياً حقيقياً لهذا التنقل المتواصل. هذا السلوك يطرح سؤالًا جوهريًا: ما الذي يحكم اختياراته؟ هل هو اقتناع ببرامج الأحزاب المتعددة؟ أم مجرد تموضع نفعي يهدف لضمان الاستمرارية داخل دواليب التدبير؟
الخطاب النقدي بلا مرآة
الغريب أن غيلان، رغم موقعه داخل الأغلبية المسيرة، يصر على ممارسة المعارضة بأسلوب هجومي، وكأنّه مجرد معلق سياسي أو فاعل مدني. ينتقد المشهد السياسي، ويدعو إلى “انتقاء الفاعل الأجدر”، كما جاء في تدوينته الأخيرة، متناسيًا أنه جزء أساسي من هذا المشهد، بل أحد مَن ساهموا في الأوضاع التي يعرفها تدبير المدينة.
تصريحاته المتكررة التي تتحدث عن الرداءة والفساد و”الفاعل الجاهل” تثير سخرية المتابعين، ليس لأنها غير صحيحة بالضرورة، ولكن لأنها تصدر من شخص ظل طوال مساره قريبًا من دوائر القرار، بل وكان شريكًا مباشرًا في تحمل المهام التدبيرية.
الخلط بين الوسيلة والغاية
من أخطر ما عبّر عنه غيلان، في أحد تصريحاته الصحفية، قوله إن الأحزاب ليست سوى “وسيلة” وليست “غاية”. هذا الكلام، رغم ما يوحي به من براغماتية، يعكس ضعف فهمه بالدور الدستوري والسياسي العميق للأحزاب، والتي تُعد العمود الفقري لأي تجربة ديمقراطية . تحويلها إلى مجرد “وسيلة” يُوصل بها الفاعل السياسي إلى المهام، هو إفراغ للسياسة من محتواها وتكريس لعبثية المؤسسات.
ازدواجية الخطاب والمسؤولية
غيلان يتقن لعبة “رمي الكرة في ملعب الآخر”، ويُمارس هواية التنصل من تبعات الاختيارات التدبيرية، رغم أنه في قلبها. هذه الازدواجية، بين الخطاب والممارسة، هي ما يجعل الكثير من المواطنين يفقدون الثقة في النخب، ويشعرون بأنهم أمام مشهد سياسي لا يعترف بالمساءلة ولا بالمراجعة.
تنبيه مهم
لسنا هنا في وارد استهداف الأشخاص، ولا الطعن في النيات، ولكن من حق المواطن أن يُحاسب من انتخبهم، وأن يطرح الأسئلة على من يملكون الصوت داخل المجالس المنتخبة. وغيلان ، باعتباره نائب عمدة طنجة وفاعلًا بارزًا في جماعة المدينة، مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بأن يتحمل مسؤوليته السياسية كاملة، لا أن يلوذ بالنقد وكأنه لم يكن طرفًا في ما آل إليه وضع المدينة.
السياسة ليست تكليفًا فقط، بل وضوح في الموقف، وانسجام بين القول والفعل، وهذا ما ننتظره من جميع من يُدبّرون شؤون طنجة، وعلى رأسهم السيد غيلان.
الإنصاف واجب: غيلان والتواصل ، حضور لافت
رغم كل ما سبق من ملاحظات نقدية، فإن الإنصاف يقتضي الإشارة إلى أن غيلان يُعد من القلائل داخل المجالس المنتخبة بالمدينة الذين يُحافظون على وتيرة تواصلية عالية. فالرجل يحرص على حضور معظم اللقاءات والأنشطة والبرامج التواصلية داخل طنجة، كما لا يتردد في التفاعل مع ما يُنشر على المنصات الرقمية، سواء عبر تدوينات مباشرة أو تعليقات.
هذا الحضور المستمر، وإن لم يُعفِه من المساءلة السياسية حول مواقفه ومساهمته في تدبير الشأن المحلي، إلا أنه يُحسب له ضمن من يحاولون مد جسور التواصل مع المواطنين، في زمن يُفضّل فيه كثير من المنتخبين الصمت أو الاحتماء خلف أبواب الجماعات المغلقة
لكن يبقى السؤال: هل يكفي التواصل وحده حين يغيب الانسجام بين الخطاب والممارسة؟ وهل يمكن أن يصبح التواصل بديلاً عن تحمل تبعات المشاركة الفعلية في اتخاذ القرار؟
–