في خطوة وُصفت بأنها ذات أبعاد جيوسياسية واقتصادية عميقة، وقّعت سلطنة عُمان ومملكة إسبانيا اليوم الاثنين في العاصمة مدريد أربع مذكرات تفاهم شملت مجالات الطاقة والمياه والاستثمار.
وكان أبرز هذه المذكرات تلك المتعلقة بتوريد الغاز الطبيعي المسال من عمان إلى إسبانيا، وهي خطوة اعتبرها مراقبون بداية تحول استراتيجي في سياسة مدريد الطاقية، تمهيداً لتقليص اعتمادها على الغاز الجزائري بشكل تدريجي.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد التوتر بين مدريد والجزائر، حيث لوّحت الأخيرة أكثر من مرة بوقف إمدادات الغاز نحو إسبانيا، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى توجيه تحذير واضح من أي محاولة لابتزاز أحد أعضائه في هذا الملف الحيوي.
وكان المتحدث باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي قد صرّح في وقت سابق بأن “أي إجراء عدائي تتخذه الجزائر ضد إسبانيا سيُعدّ قراراً موجهاً ضد الاتحاد الأوروبي بأكمله”، في إشارة إلى الدعم الأوروبي القوي لموقف مدريد.
ويشير محللون إلى أن هذه التطورات تكشف عن توجّه أوروبي واضح نحو الحد من النفوذ الجزائري في سوق الطاقة، بعدما أصبحت مواقف الجزائر السياسية والاقتصادية مصدر قلق بشأن استقرار الإمدادات إلى دول الاتحاد.
كما تعكس الاتفاقية الجديدة بين مسقط ومدريد سعي إسبانيا لتأمين احتياجاتها من الطاقة وتنويع مصادرها بعيداً عن أي ضغوط سياسية، خاصة بعد الأزمة التي شهدتها علاقاتها مع الجزائر عقب موقفها الداعم للمغرب في قضية الصحراء.
وتنص مذكرة التفاهم الثالثة، الموقعة بين الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال وشركة “ناتورجي” الإسبانية، على بحث إمكانية إبرام اتفاق طويل الأمد لتوريد ما يصل إلى مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً لمدة عشر سنوات، بدءاً من عام 2030.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل جزءاً من استراتيجية إسبانيا لإعادة تشكيل خريطتها الطاقية بما يتماشى مع توجهات الاتحاد الأوروبي الهادفة إلى تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة غير المستقرة، ما يُعد ضربة جديدة لنفوذ الجزائر في السوق الأوروبية.
ولا تقتصر أهمية هذه الاتفاقية على بعدها الاقتصادي فحسب، بل تعكس كذلك تنامياً في الثقة الأوروبية تجاه شركاء جدد في الشرق الأوسط، وفي مقدمتهم سلطنة عمان، التي أثبتت قدرتها على أن تكون مورداً موثوقاً للطاقة في المنطقة.